فصل: مسألة: التطهر للعيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


باب صلاة العيدين

الأصل في صلاة العيد الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب فقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ المشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد وأما السنة فثبت بالتواتر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي صلاة العيدين قال ابن عباس‏:‏ ‏(‏شهدت صلاة الفطر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر فكلهم يصليها قبل الخطبة‏)‏ وعنه ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى العيد بغير أذان ولا إقامة‏)‏ متفق عليهما وأجمع المسلمون على صلاة العيدين وصلاة العيد فرض على الكفاية‏,‏ في ظاهر المذهب إذا قام بها من يكفي سقطت عن الباقين وإن اتفق أهل بلد على تركها قاتلهم الإمام وبه قال بعض أصحاب الشافعي وقال أبو حنيفة‏:‏ هي واجبة على الأعيان‏,‏ وليست فرضا لأنها صلاة شرعت لها الخطبة فكانت واجبة على الأعيان‏,‏ وليست فرضا كالجمعة وقال ابن أبي موسى‏:‏ قيل إنها سنة مؤكدة غير واجبة وبه قال مالك وأكثر أصحاب الشافعي ‏(‏لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- للأعرابى حين ذكر خمس صلوات قال‏:‏ هل على غيرهن‏؟‏ قال‏:‏ لا إلا أن تطوع‏)‏ وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏خمس صلوات كتبهن الله على العبد‏)‏ الحديث ولأنها صلاة ذات ركوع وسجود لم يشرع لها أذان فلم تجب ابتداء بالشرع‏,‏ كصلاة الاستسقاء والكسوف ثم اختلفوا فقال بعضهم‏:‏ إذا امتنع جميع الناس من فعلها قاتلهم الإمام عليها وقال بعضهم‏:‏ لا يقاتلهم ولنا على أنها لا تجب على الأعيان أنها لا يشرع لها الأذان‏,‏ فلم تجب على الأعيان كصلاة الجنازة ولأن الخبر الذي ذكره مالك ومن وافقه يقتضي نفى وجوب صلاة سوى الخمس‏,‏ وإنما خولف بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن صلى معه فيختص بمن كان مثلهم ولأنها لو وجبت على الأعيان لوجبت خطبتها‏,‏ ووجب استماعها كالجمعة ولنا على وجوبها في الجملة أمر الله تعالى بها‏,‏ بقوله‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ والأمر يقتضي الوجوب ومداومة النبي - صلى الله عليه وسلم- على فعلها وهذا دليل الوجوب ولأنها من أعلام الدين الظاهرة‏,‏ فكانت واجبة كالجمعة ولأنها لو لم تجب لم يجب قتال تاركيها كسائر السنن‏,‏ يحققه أن القتال عقوبة لا تتوجه إلى تارك مندوب كالقتل والضرب فأما حديث الأعرابي فلا حجة لهم فيه لأن الأعراب لا تلزمهم الجمعة لعدم الاستيطان فالعيد أولى والحديث الآخر مخصوص بما ذكرناه‏,‏ على أنه إنما صرح بوجوب الخمس وخصها بالذكر لتأكيدها ووجوبها على الأعيان‏,‏ ووجوبها على الدوام وتكررها في كل يوم وليلة وغيرها يجب نادرا ولعارض‏,‏ كصلاة الجنازة والمنذورة والصلاة المختلف فيها فلم يذكرها وقياسهم لا يصح لأن كونها ذات ركوع وسجود لا أثر له‏,‏ بدليل أن النوافل كلها فيها ركوع وسجود وهي غير واجبة فيجب حذف هذا الوصف‏,‏ لعدم أثره ثم ينقض قياسهم بصلاة الجنازة وينتقض على كل حال بالمنذورة‏.‏

مسألة

قال ‏[‏ويظهرون التكبير في ليالى العيدين‏,‏ وهو في الفطر آكد لقول الله تعالى ‏{‏ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون‏}‏]

وجملته أنه يستحب للناس إظهار التكبير في ليلتى العيدين في مساجدهم ومنازلهم وطرقهم مسافرين كانوا أو مقيمين‏,‏ لظاهر الآية المذكورة قال بعض أهل العلم في تفسيرها‏:‏ لتكملوا عدة رمضان ولتكبروا الله عند إكماله على ما هداكم ومعنى إظهار التكبير رفع الصوت به واستحب ذلك لما فيه من إظهار شعائر الإسلام‏,‏ وتذكير الغير وكان ابن عمر يكبر في قبته بمنى يسمعه أهل المسجد فيكبرون‏,‏ ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا قال أحمد‏:‏ كان ابن عمر يكبر في العيدين جميعا ويعجبنا ذلك واختص الفطر بمزيد تأكيد لورود النص فيه‏,‏ وليس التكبير واجبا وقال داود‏:‏ هو واجب في الفطر لظاهر الآية ولنا أنه تكبير في عيد فأشبه تكبير الأضحى‏,‏ ولأن الأصل عدم الوجوب ولم يرد من الشرع إيجابه فيبقى على الأصل‏,‏ والآية ليس فيها أمر إنما أخبر الله تعالى عن إرادته فقال‏:‏ ‏{‏يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ‏}‏‏.‏

فصل

ويستحب أن يكبر في طريق العيد‏,‏ ويجهر بالتكبير قال ابن أبي موسى‏:‏ يكبر الناس في خروجهم من منازلهم لصلاتى العيدين جهرا حتى يأتي الإمام المصلى ويكبر الناس بتكبير الإمام في خطبته‏,‏ وينصتون فيما سوى ذلك قال سعيد‏:‏ حدثنا عبد العزيز بن محمد حدثنا عبيد الله بن عمر عن نافع‏,‏ عن ابن عمر أنه كان إذا خرج من بيته إلى العيد كبر حتى يأتي المصلى وروى ذلك عن سعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى واختلف فيه عن إبراهيم ‏.‏

فصل

قال القاضي‏:‏ التكبير في الأضحى مطلق ومقيد فالمقيد عقيب الصلوات والمطلق في كل حال في الأسواق‏,‏ وفي كل زمان وأما الفطر فمسنونه مطلق غير مقيد على ظاهر كلام أحمد وهو ظاهر كلام الخرقي وقال أبو الخطاب‏:‏ يكبر من غروب الشمس من ليلة الفطر إلى خروج الإمام إلى الصلاة في إحدى الروايتين وهو قول الشافعي وفي الأخرى إلى فراغ الإمام من الصلاة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإذا أصبحوا تطهروا‏]

وجملته أنه يستحب أن يتطهر بالغسل للعيد‏,‏ وكان ابن عمر يغتسل يوم الفطر وروى ذلك عن على رضي الله عنه وبه قال علقمة وعروة‏,‏ وعطاء والنخعي والشعبي‏,‏ وقتادة وأبو الزناد ومالك‏,‏ والشافعي وابن المنذر لما روى ابن عباس والفاكه بن سعد ‏(‏‏,‏ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل يوم الفطر والأضحى‏)‏ وروى أيضا ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال في جمعة من الجمع‏:‏ إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين‏,‏ فاغتسلوا ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه وعليكم بالسواك‏)‏ رواه ابن ماجه فعلى هذه الأشياء تكون الجمعة عيدا ولأنه يوم يجتمع الناس فيه للصلاة‏,‏ فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة وإن اقتصر على الوضوء أجزأه لأنه إذا لم يجب الغسل للجمعة مع الأمر به فيها‏,‏ فغيرها أولى ‏.‏

فصل

ويستحب أن يتنظف ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب‏,‏ ويتسوك كما ذكرنا في الجمعة لما ذكرنا من الحديث وقال عبد الله بن عمر‏:‏ ‏(‏وجد عمر حلة من إستبرق في السوق فأخذها‏,‏ فأتى بها النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ يا رسول الله ابتع هذه تتجمل بها في العيدين والوفد فقال النبي - صلى الله عليه وسلم- إنما هذه لباس من لا خلاق لهم‏)‏ متفق عليه وهذا يدل على أن التجمل عندهم في هذه المواضع كان مشهورا وروى ابن عبد البر بإسناده عن جابر ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يقيم ويلبس برده الأحمر في العيدين والجمعة‏)‏ بإسناده عن ابن عباس‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يلبس في العيدين برد حبرة‏)‏ وبإسناده عن عائشة قالت‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏ما على أحدكم أن يكون له ثوبان سوى ثوبى مهنته لجمعته وعيده‏)‏ وقال مالك‏:‏ سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد والإمام بذلك أحق‏,‏ لأنه المنظور إليه من بينهم إلا أن المعتكف يستحب له الخروج في ثياب اعتكافه ليبقى عليه أثر العبادة والنسك وقال أحمد في رواية المروذي‏:‏ طاوس كان يأمر بزينة الثياب وعطاء قال‏:‏ هو يوم التخشع وأستحسنهما جميعا وذكر استحباب خروجه في ثياب اعتكافه في غير هذا الموضع‏.‏

فصل

ووقت الغسل بعد طلوع الفجر في ظاهر كلام الخرقي‏,‏ لقوله‏:‏ ‏"‏ فإذا أصبحوا تطهروا ‏"‏ قال القاضي والآمدى‏:‏ إن اغتسل قبل الفجر لم يصب سنة الاغتسال لأنه غسل الصلاة في اليوم فلم يجز قبل الفجر كغسل الجمعة وقال ابن عقيل‏:‏ المنصوص عن أحمد أنه قبل الفجر وبعده لأن زمن العيد أضيق من وقت الجمعة فلو وقف على الفجر ربما فات‏,‏ ولأن المقصود منه التنظيف وذلك يحصل بالغسل في الليل لقربه من الصلاة والأفضل أن يكون بعد الفجر‏,‏ ليخرج من الخلاف ويكون أبلغ في النظافة لقربه من الصلاة وقول الخرقي‏:‏ ‏"‏ تطهروا ‏"‏ لم يخص به الغسل‏,‏ بل هو ظاهر في الوضوء وهو غير مختص بما بعد الفجر‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وأكلوا إن كان فطرا‏]‏

السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي وهذا قول أكثر أهل العلم منهم علي‏,‏ وابن عباس ومالك والشافعي وغيرهم لا نعلم فيه خلافا قال‏:‏ أنس‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات‏)‏ رواه البخاري وفي رواية استشهد بها‏:‏ ‏"‏ ويأكلهن وترا ‏"‏ وروي عن بريدة‏,‏ قال ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- لا يخرج يوم الفطر حتى يفطر ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي‏)‏ رواه الأثرم والترمذي‏,‏ ولفظ رواية الأثرم‏:‏ ‏"‏ حتى يضحى ‏"‏ ولأن يوم الفطر يوم حرم فيه الصيام عقيب وجوبه فاستحب تعجيل الفطر لإظهار المبادرة إلى طاعة الله تعالى وامتثال أمره في الفطر على خلاف العادة‏,‏ والأضحى بخلافه ولأن في الأضحى شرع الأضحية والأكل منها فاستحب أن يكون فطره على شيء منها قال أحمد‏:‏ والأضحى لا يأكل فيه حتى يرجع إذا كان له ذبح لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أكل من ذبيحته وإذا لم يكن له ذبح لم يبال أن يأكل‏.‏

فصل

والمستحب أن يفطر على التمر لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفطر عليه‏,‏ ويأكلهن وترا لقول أنس‏:‏ يأكلهن وترا ولأن الله تعالى وتر يحب الوتر ولأن الصائم يستحب له الفطر كذلك‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم غدوا إلى المصلى‏,‏ مظهرين للتكبير‏]

‏ السنة أن يصلي العيد في المصلى أمر بذلك على رضي الله عنه واستحسنه الأوزاعي وأصحاب الرأي وهو قول ابن المنذر وحكي عن الشافعي‏:‏ إن كان مسجد البلد واسعا‏,‏ فالصلاة فيه أولى لأنه خير البقاع وأطهرها ولذلك يصلي أهل مكة في المسجد الحرام ولنا ‏(‏‏,‏ أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى المصلى ويدع مسجده‏)‏ وكذلك الخلفاء بعده ولا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم- الأفضل مع قربه‏,‏ ويتكلف فعل الناقص مع بعده ولا يشرع لأمته ترك الفضائل ولأننا قد أمرنا باتباع النبي - صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به‏,‏ ولا يجوز أن يكون المأمور به هو الناقص والمنهى عنه هو الكامل ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه صلى العيد بمسجده إلا من عذر‏,‏ ولأن هذا إجماع المسلمين فإن الناس في كل عصر ومصر يخرجون إلى المصلى فيصلون العيد في المصلى مع سعة المسجد وضيقه‏,‏ وكان النبي - صلى الله عليه وسلم- يصلي في المصلى مع شرف مسجده وصلاة النفل في البيت أفضل منها في المسجد مع شرفه وروينا عن على رضي الله عنه أنه قيل له‏:‏ قد اجتمع في المسجد ضعفاء الناس وعميانهم فلو صليت بهم في المسجد‏؟‏ فقال‏:‏ أخالف السنة إذا‏,‏ ولكن نخرج إلى المصلى وأستخلف من يصلي بهم في المسجد أربعا‏.‏

فصل

ويستحب للإمام إذا خرج أن يخلف من يصلي بضعفة الناس في المسجد كما فعل على رضي الله عنه فروى هزيل بن شرحبيل قال‏:‏ قيل لعلى رضي الله عنه لو أمرت رجلا يصلي بضعفة الناس هونا في المسجد الأكبر‏؟‏ قال‏:‏ إن أمرت رجلا يصلي أمرته أن يصلي لهم أربعا رواه سعيد وروى أنه استخلف أبا مسعود‏,‏ فصلى بهم في المسجد‏.‏

فصل

وإن كان عذر يمنع الخروج من مطر أو خوف‏,‏ أو غيره صلوا في الجامع كما روى أبو هريرة‏,‏ أنه ‏(‏أصابهم مطر في يوم عيد فصلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم- صلاة العيد في المسجد‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

فصل

يستحب التبكير إلى العيد بعد صلاة الصبح إلا الإمام فإنه يتأخر إلى وقت الصلاة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل كذلك قال أبو سعيد‏:‏ ‏(‏كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى‏,‏ فأول شيء يبدأ به الصلاة‏)‏ رواه مسلم ولأن الإمام ينتظر ولا ينتظر ولو جاء إلى المصلى وقعد في مكان مستتر عن الناس فلا بأس قال مالك‏:‏ مضت السنة أن يخرج الإمام من منزله قدر ما يبلغ مصلاه‏,‏ وقد حلت الصلاة فأما غيره فيستحب له التبكير والدنو من الإمام ليحصل له أجر التبكير‏,‏ وانتظار الصلاة والدنو من الإمام من غير تخطى رقاب الناس ولا أذى أحد قال عطاء بن السائب‏:‏ كان عبد الرحمن بن أبي ليلى وعبد الله بن معقل يصليان الفجر يوم العيد‏,‏ وعليهما ثيابهما ثم يتدافعان إلى الجبانة أحدهما يكبر‏,‏ والآخر يهلل وروي عن ابن عمر‏:‏ أنه كان لا يخرج حتى تخرج الشمس‏.‏

فصل

ويستحب أن يخرج إلى العيد ماشيا وعليه السكينة والوقار كما ذكرنا في الجمعة وممن استحب المشى عمر بن عبد العزيز‏,‏ والنخعي والثوري والشافعي وغيرهم لما روى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يركب في عيد ولا جنازة‏)‏ وروى ابن عمر ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يخرج إلى العيد ماشيا‏,‏ ويرجع ماشيا‏)‏ رواه ابن ماجه وقال على رضي الله عنه‏:‏ من السنة أن يأتي العيد ماشيا رواه الترمذي وقال‏:‏ حديث حسن وإن كان له عذر وكان مكانه بعيدا فركب‏,‏ فلا بأس قال أحمد‏:‏ -رحمه الله- نحن نمشى ومكاننا قريب وإن بعد ذلك عليه فلا بأس أن يركب قال‏:‏ حدثنا سعيد حدثنا الوليد بن مسلم‏,‏ عن عبد الله بن العلاء بن زبير أنه سمع عمر بن عبد العزيز على المنبر يوم الجمعة يقول‏:‏ إن الفطر غدا فامشوا إلى مصلاكم‏,‏ فإن ذلك كان يفعل ومن كان من أهل القرى فليركب فإذا جاء المدينة فليمش إلى المصلى‏.‏

فصل

ويكبر في طريق العيد‏,‏ ويرفع صوته بالتكبير وهو معنى قول الخرقي‏:‏ ‏"‏ مظهرين للتكبير ‏"‏ قال أحمد‏:‏ يكبر جهرا إذا خرج من بيته حتى يأتي المصلى روى ذلك عن على وابن عمر وأبي أمامة‏,‏ وأبي رهم وناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبان بن عثمان وأبي بكر بن محمد وفعله النخعي‏,‏ وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أبي ليلى وبه قال الحكم وحماد‏,‏ ومالك وإسحاق وأبو ثور‏,‏ وابن المنذر وقال أبو حنيفة‏:‏ يكبر يوم الأضحى ولا يكبر يوم الفطر لأن ابن عباس سمع التكبير يوم الفطر فقال‏:‏ ما شأن الناس‏؟‏ فقيل‏:‏ يكبرون فقال‏:‏ أمجانين الناس‏؟‏ وقال إبراهيم‏:‏ إنما يفعل ذلك الحواكون ولنا‏,‏ أنه فعل من ذكرنا من الصحابة رضي الله عنهم وقولهم قال نافع‏:‏ كان ابن عمر يكبر يوم العيد في الأضحى والفطر ويكبر ويرفع صوته وقال أبو جميلة‏:‏ رأيت عليا‏,‏ رضي الله عنه خرج يوم العيد فلم يزل يكبر حتى انتهى إلى الجبانة فأما ابن عباس فكان يقول‏:‏ يكبرون مع الإمام ولا يكبرون وحدهم وهذا خلاف مذهبهم وإذا ثبت هذا فإنه يكبر حتى يأتي المصلى لما ذكرنا عن على رضي الله عنه وغيره قال الأثرم‏:‏ قيل لأبي عبد الله في الجهر بالتكبير حتى يأتي المصلى‏,‏ أو حتى يخرج الإمام‏؟‏ قال‏:‏ حتى يأتي المصلى وقال القاضي‏:‏ فيه رواية أخرى‏:‏ حتى يخرج الإمام‏.‏

فصل

ولا بأس بخروج النساء يوم العيد إلى المصلى وقال ابن حامد‏:‏ يستحب ذلك وقد روي عن أبي بكر وعلى رضي الله عنهما أنهما قالا‏:‏ حق على كل ذات نطاق أن تخرج إلى العيدين وكان ابن عمر يخرج من استطاع من أهله في العيدين وروت أم عطية‏,‏ قالت‏:‏ ‏(‏أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أن نخرجهن في الفطر والأضحى‏:‏ العواتق وذوات الخدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة‏,‏ ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت‏:‏ يا رسول الله‏:‏ إحدانا لا يكون لها جلباب‏؟‏ قال‏:‏ لتلبسها أختها من جلبابها‏)‏ متفق عليه وهذا لفظ رواية مسلم ولفظ رواية البخاري‏,‏ قالت‏:‏ ‏(‏كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد حتى تخرج البكر من خدرها وحتى يخرج الحيض فيكن خلف الناس‏,‏ فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته‏)‏ وعن أم عطية ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جمع نساء الأنصار في بيت‏,‏ فأرسل إلينا عمر بن الخطاب فقام على الباب فسلم‏,‏ فرددنا عليه فقال‏:‏ أنا رسول رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إليكن وأمرنا بالعيدين أن نخرج فيهما الحيض والعتق‏,‏ ولا جمعة علينا ونهانا عن اتباع الجنائز‏)‏ رواه أبو داود وقال القاضي ظاهر كلام أحمد أن ذلك جائز غير مستحب وكرهه النخعي ويحيى الأنصاري‏,‏ وقالا‏:‏ لا نعرف خروج المرأة في العيدين عندنا وكرهه سفيان وابن المبارك ورخص أهل الرأي للمرأة الكبيرة وكرهوه للشابة لما في خروجهن من الفتنة‏,‏ وقول عائشة رضي الله عنها لو رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ما أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء بنى إسرائيل وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع وقول عائشة مختص بمن أحدثت دون غيرها ولا شك بأن تلك يكره لها الخروج وإنما يستحب لهن الخروج غير متطيبات ولا يلبسن ثوب شهرة ولا زينة‏,‏ ولا يخرجن في ثياب البذلة لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏وليخرجن تفلات‏)‏ ولا يخالطن الرجال بل يكن ناحية منهم‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏فإذا حلت الصلاة تقدم الإمام فصلى بهم ركعتين‏]‏

لا خلاف بين أهل العلم في أن صلاة العيد مع الإمام ركعتان‏,‏ وفيما تواتر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه صلى العيد ركعتين وفعله الأئمة بعده إلى عصرنا لم نعلم أحدا فعل غير ذلك‏,‏ ولا خالف فيه وقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ صلاة العيد ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم- وقد خاب من افترى وقوله‏:‏ ‏"‏ حلت الصلاة ‏"‏ يحتمل معنيين‏:‏ أحدهما أن معناه إذا دخل وقتها‏,‏ والصلاة ها هنا صلاة العيد وحلت من الحلول كقولهم‏:‏ حل الدين إذا جاء أجله والثاني معناه إذا أبيحت الصلاة يعنى النافلة‏,‏ ومعناه إذا خرج وقت النهى وهو إذا ارتفعت الشمس قيد رمح وحلت من الحل وهو الإباحة‏,‏ كقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحل لهم الطيبات‏}‏ وهذا المعنى أحسن لأن فيه تفسيرا لوقتها وتعريفا له بالوقت الذي عرف في مكان آخر وعلى القول الأول ليس فيه بيان‏,‏ لوقتها فعلى هذا يكون وقتها من حين ترتفع الشمس قيد رمح إلى أن يقوم قائم الظهيرة‏,‏ وذلك ما بين وقتى النهى عن صلاة النافلة وقال أصحاب الشافعي‏:‏ أول وقتها إذا طلعت الشمس لما روى يزيد بن خمير قال‏:‏ خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في يوم عيد فطر أو أضحى‏,‏ فأنكر إبطاء الإمام وقال‏:‏ إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين صلاة التسبيح رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه ‏.‏

ولنا ما روى عقبة بن عامر قال‏:‏ ‏(‏ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن وأن نقبر فيهن موتانا حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع‏)‏ ولأنه وقت نهى عن الصلاة فيه‏,‏ فلم يكن وقتا للعيد كقبل طلوع الشمس ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن بعده لم يصلوا حتى ارتفعت الشمس‏,‏ بدليل الإجماع على أن الأفضل فعلها في ذلك الوقت ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- يفعل إلا الأفضل والأولى ولو كان لها وقت قبل ذلك‏,‏ لكان تقييده بطلوع الشمس تحكما بغير نص ولا معنى نص ولا يجوز التوقيت بالتحكم وأما حديث عبد الله بن بسر فإنه أنكر إبطاء الإمام عن وقتها المجمع عليه‏,‏ فإنه لو حمل على غير هذا لم يكن ذلك إبطاء ولا جاز إنكاره ولا يجوز أن يحمل ذلك على أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يفعل ذلك في وقت النهى لأنه مكروه بالاتفاق على أن الأفضل خلافه‏,‏ ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم- ليداوم على المكروه ولا المفضول ولو كان يداوم على الصلاة فيه لوجب أن يكون هو الأفضل والأولى‏,‏ فتعين حمله على ما ذكرنا‏.‏

فصل

ويسن تقديم الأضحى ليتسع وقت التضحية وتأخير الفطر ليتسع وقت إخراج صدقة الفطر وهذا مذهب الشافعي ولا أعلم فيه خلافا وقد روى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كتب إلى عمرو بن حزم‏:‏ أن أخر صلاة الفطر‏,‏ وعجل صلاة الأضحى‏)‏ ولأن لكل عيد وظيفة فوظيفة الفطر إخراج الفطرة ووقتها قبل الصلاة‏,‏ ووظيفة الأضحى التضحية ووقتها بعد الصلاة وفي تأخير الفطر وتقديم الأضحى توسيع لوظيفة كل منهما‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏بلا أذان ولا إقامة‏]‏

ولا نعلم في هذا خلافا ممن يعتد بخلافه إلا أنه روى عن ابن الزبير أنه أذن وأقام وقيل‏:‏ أول من أذن في العيد ابن زياد وهذا دليل على انعقاد الإجماع قبله‏,‏ على أنه لا يسن لها أذان ولا إقامة وبه يقول مالك والأوزاعي والشافعي‏,‏ وأصحاب الرأي وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العيد بلا أذان ولا إقامة فروى ابن عباس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- صلى العيدين بغير أذان ولا إقامة‏)‏ وعن جابر مثله متفق عليهما وقال جابر بن سمرة‏:‏ ‏(‏صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- العيد غير مرة ولا مرتين‏,‏ بلا أذان ولا إقامة‏)‏ رواه مسلم وعن عطاء قال‏:‏ أخبرنى جابر أن لا أذان يوم الفطر حين يخرج الإمام ولا بعد ما يخرج الإمام‏,‏ ولا إقامة ولا نداء ولا شيء لا نداء يومئذ ولا إقامة رواه مسلم وقال بعض أصحابنا‏:‏ ينادى لها‏:‏ الصلاة جامعة وهو قول الشافعي وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أحق أن تتبع‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويقرأ في كل ركعة منها بـ‏"‏ الحمد لله ‏"‏ وسورة‏,‏ ويجهر بالقراءة‏]

لا نعلم خلافا بين أهل العلم في أنه يشرع قراءة الفاتحة وسورة في كل ركعة من صلاة العيد وأنه يسن الجهر إلا أنه روى عن على رضي الله عنه أنه كان إذا قرأ في العيدين أسمع من يليه‏,‏ ولم يجهر ذلك الجهر وقال ابن المنذر‏:‏ أكثر أهل العلم يرون الجهر بالقراءة وفي إخبار من أخبر بقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم- دليل على أنه كان يجهر ولأنها صلاة عيد‏,‏ فأشبهت الجمعة ويستحب أن يقرأ في الأولى ب ‏[‏سبح‏]‏ وفي الثانية بالغاشية نص عليه أحمد لأن النعمان بن بشير قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ في العيدين وفي الجمعة ب سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية وربما اجتمعا في يوم واحد‏,‏ فقرأ بهما‏)‏ رواه مسلم وقال الشافعي‏:‏ يقرأ ب ‏[‏ق‏]‏ و ‏{‏اقتربت الساعة‏}‏ لما روى ‏(‏أن عمر سأل أبا واقد الليثى‏:‏ ماذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقرأ به في الفطر والأضحى‏؟‏ فقال‏:‏ كان يقرأ ب ق والقرءان المجيد و اقتربت الساعة وانشق القمر‏)‏ رواه مسلم وقال أبو حنيفة‏:‏ ليس فيه شيء يوقت وكان ابن مسعود يقرأ بالفاتحة وسورة من المفصل ومهما قرأ به أجزأه وكان حسنا‏,‏ إلا أن الأول أحسن لأن عمر رضي الله عنه عمل به وكان ذلك مذهبه‏,‏ ولأن في ‏[‏سبح‏]‏ الحث على الصلاة وزكاة الفطر على ما قاله سعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز‏,‏ في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى‏}‏ فاختصت الفضيلة بها كاختصاص الجمعة بسورتها‏.‏

فصل

وتكون القراءة بعد التكبير في الركعتين نص عليه أحمد وروى ذلك عن أبي هريرة وفقهاء المدينة السبعة وعمر بن عبد العزيز‏,‏ والزهري ومالك والشافعي‏,‏ والليث وقد روي عن أحمد أنه يوالى بين القراءتين ومعناه أنه يكبر في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها اختارها أبو بكر وروى ذلك عن ابن مسعود وحذيفة‏,‏ وأبي موسى وأبي مسعود البدرى والحسن وابن سيرين‏,‏ والثوري وهو قول أصحاب الرأي لما روي عن أبي موسى قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكبر تكبيره على الجنازة ويوالى بين القراءتين‏)‏ رواه أبو داود وروى أبو عائشة جليس لأبي هريرة ‏(‏‏,‏ أن سعيد بن العاص سأل أبا موسى وحذيفة‏:‏ كيف كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكبر في الأضحى والفطر‏؟‏ فقال أبو موسى‏:‏ كان يكبر أربعا تكبيره على الجنازة فقال حذيفة‏:‏ صدق‏)‏ ولنا‏,‏ ما روى كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كبر في العيدين‏,‏ في الأولى سبعا قبل القراءة وفي الثانية خمسا قبل القراءة‏)‏ رواه الأثرم وابن ماجه‏,‏ والترمذي وقال‏:‏ هو حديث حسن وهو أحسن حديث في الباب وعن عائشة ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يكبر في العيدين سبعا وخمسا قبل القراءة‏)‏ رواه أحمد‏,‏ في ‏"‏ المسند ‏"‏ وعن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ قال النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخيرة والقراءة بعدهما كليهما‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ والأثرم ورواه ابن ماجه عن سعد مؤذن النبي - صلى الله عليه وسلم- مثل ذلك وحديث أبي موسى ضعيف قاله الخطابي وليس في رواية أبي داود أنه والى بين القراءتين ثم نحمله على أنه والى بين الفاتحة والسورة‏,‏ لأن قراءة الركعتين لا يمكن الموالاة بينهما لما بينهما من الركوع والسجود‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويكبر في الأولى سبع تكبيرات منها تكبيرة الافتتاح‏]‏

قال‏:‏ أبو عبد الله‏:‏ يكبر في الأولى سبعا مع تكبيرة الإحرام ولا يعتد بتكبيرة الركوع لأن بينهما قراءة‏,‏ ويكبر في الركعة الثانية خمس تكبيرات ولا يعتد بتكبيرة النهوض ثم يقرأ في الثانية‏,‏ ثم يكبر ويركع وروى ذلك عن فقهاء المدينة السبعة وعمر بن عبد العزيز والزهري‏,‏ ومالك والمزني وروي عن أبي هريرة‏,‏ وأبي سعيد الخدري وابن عباس وابن عمر‏,‏ ويحيى الأنصاري قالوا‏:‏ يكبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمسا وبه قال الأوزاعي والشافعي‏,‏ وإسحاق إلا أنهم قالوا‏:‏ يكبر سبعا في الأولى سوى تكبيرة الافتتاح لقول عائشة‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يكبر في العيدين اثنتى عشرة تكبيرة سوى تكبيرة الافتتاح‏)‏ وروي عن ابن عباس وأنس‏,‏ والمغيرة بن شعبة وسعيد بن المسيب والنخعي‏:‏ يكبر سبعا سبعا‏:‏ وقال أبو حنيفة والثوري‏:‏ في الأولى والثانية ثلاثا ثلاثا واحتجوا بحديثى أبي موسى اللذين ذكرناهما ولنا‏,‏ أحاديث كثير وعبد الله بن عمرو وعائشة‏,‏ التي قدمناها قال ابن عبد البر‏:‏ قد روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن طرق كثيرة حسان ‏(‏‏,‏ أنه كبر في العيد سبعا في الأولى وخمسا في الثانية‏)‏ من حديث عبد الله بن عمرو وابن عمر‏,‏ وجابر وعائشة وأبي واقد‏,‏ وعمرو بن عوف المزنى ولم يرو عنه من وجه قوى ولا ضعيف خلاف هذا وهو أولى ما عمل به وحديث عائشة المعروف عنها ‏(‏أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كبر في الفطر والأضحى سبعا وخمسا سوى تكبيرتى الركوع‏)‏ رواه أبو داود‏,‏ وابن ماجه وحديث أبي موسى ضعيف يرويه أبو عائشة جليس لأبي هريرة وهو غير معروف‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويرفع يديه مع كل تكبيرة‏]

وجملته أنه يستحب أن يرفع يديه في حال تكبيره حسب رفعهما مع تكبيرة الإحرام وبه قال عطاء‏,‏ والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي وقال مالك‏,‏ والثوري‏:‏ لا يرفعهما فيما عدا تكبيرة الإحرام لأنها تكبيرات في أثناء الصلاة فأشبهت تكبيرات السجود ‏.‏

ولنا ما روى ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يرفع يديه مع التكبير‏)‏ قال أحمد‏:‏ أما أنا فأرى أن هذا الحديث يدخل فيه هذا كله وروي عن عمر أنه كان يرفع يديه في كل تكبيرة في الجنازة وفي العيد رواه الأثرم ولا يعرف له مخالف في الصحابة‏,‏ ولا يشبه هذا تكبير السجود لأن هذه يقع طرفاها في حال القيام فهي بمنزلة تكبيرة الافتتاح‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ويستفتح في أولها ويحمد الله ويثنى عليه‏,‏ ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم- بين كل تكبيرتين وإن أحب قال‏:‏ الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا‏,‏ وسبحان الله بكرة وأصيلا وصلى الله على محمد النبي الأمى وعلى آله وصحبه وسلم وإن أحب قال غير ذلك ويكبر في الثانية خمس تكبيرات سوى التكبيرة التي يقوم بها من السجود ويرفع يديه مع كل تكبيرة‏]

قوله‏:‏ ‏"‏ يستفتح ‏"‏ يعنى يدعو بدعاء الاستفتاح عقيب التكبيرة الأولى‏,‏ ثم يكبر تكبيرات العيد ثم يتعوذ ثم يقرأ وهذا مذهب الشافعي وعن أحمد رواية أخرى أن الاستفتاح بعد التكبيرات اختارها الخلال وصاحبه وهو قول الأوزاعي لأن الاستفتاح تليه الاستعاذة‏,‏ وهي قبل القراءة وقال أبو يوسف‏:‏ يتعوذ قبل التكبير لئلا يفصل بين الاستفتاح والاستعاذة ولنا أن الاستفتاح شرع ليستفتح به الصلاة فكان في أولها كسائر الصلوات‏,‏ والاستعاذة شرعت للقراءة فهي تابعة لها فتكون عند الابتداء بها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم‏}‏ وقد روى أبو سعيد ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتعوذ قبل القراءة‏)‏ وإنما جمع بينهما في سائر الصلوات لأن القراءة تلى الاستفتاح من غير فاصل‏,‏ فلزم أن يليه ما يكون في أولها بخلاف مسألتنا وأيا ما فعل كان جائزا وإذا فرغ من الاستفتاح حمد الله وأثنى عليه‏,‏ وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم فعل هذا بين كل تكبيرتين فإن قال ما ذكره الخرقي فحسن لأنه يجمع ما ذكرناه وإن قال غيره نحو أن يقول‏:‏ سبحان الله‏,‏ والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أو ما شاء من الذكر‏,‏ فجائز وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي‏:‏ يكبر متواليا‏,‏ لا ذكر بينه لأنه لو كان بينه ذكر مشروع لنقل كما نقل التكبير‏,‏ ولأنه ذكر من جنس مسنون فكان متواليا كالتسبيح في الركوع والسجود ولنا‏,‏ ما روى علقمة أن عبد الله بن مسعود وأبا موسى‏,‏ وحذيفة خرج عليهم الوليد بن عقبة قبل العيد يوما فقال لهم‏:‏ إن هذا العيد قد دنا‏,‏ فكيف التكبير فيه‏؟‏ فقال عبد الله تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك وتصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم تدعو وتكبر‏,‏ وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‏,‏ ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر‏,‏ وتفعل مثل ذلك ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‏,‏ ثم تقرأ ثم تكبر وتركع ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم- ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك‏,‏ ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع فقال حذيفة وأبو موسى‏:‏ صدق أبو عبد الرحمن رواه الأثرم‏,‏ في ‏"‏ سننه ‏"‏ ولأنها تكبيرات حال القيام فاستحب أن يتخللها ذكر كتكبيرات الجنازة وتفارق التسبيح‏,‏ لأنه ذكر يخفى ولا يظهر بخلاف التكبير وقياسهم منتقض بتكبيرات الجنازة قال القاضي‏:‏ يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة وهذا قول الشافعي‏.‏

فصل

والتكبيرات والذكر بينها سنة وليس بواجب‏,‏ ولا تبطل الصلاة بتركه عمدا ولا سهوا ولا أعلم فيه خلافا فإن نسي التكبير‏,‏ وشرع في القراءة لم يعد إليه قاله ابن عقيل وهو أحد قولي الشافعي‏,‏ لأنه سنة فلم يعد إليه بعد الشروع في القراءة كالاستفتاح وقال القاضي‏:‏ فيها وجه آخر أنه يعود إلى التكبير وهو قول مالك‏,‏ وأبي ثور والقول الثاني للشافعي لأنه ذكره في محله فيأتى به كما قبل الشروع في القراءة‏,‏ وهذا لأن محله القيام وقد ذكره فيه فعلى هذا يقطع القراءة ويكبر‏,‏ ثم يستأنف القراءة لأنه قطعها متعمدا بذكر طويل وإن كان المنسى شيئا يسيرا احتمل أن يبنى لأنه لم يطل الفصل أشبه ما لو قطعها بقول ‏"‏ آمين ‏"‏ واحتمل أن يبتدئ لأن محل التكبير قبل القراءة‏,‏ ومحل القراءة بعده فيستأنفها ليأتى بها بعده وإن ذكر التكبير بعد القراءة‏,‏ فأتى به لم يعد القراءة وجها واحدا لأنها وقعت موقعها وإن لم يذكره حتى ركع سقط وجها واحدا‏,‏ لأنه فات المحل وكذلك المسبوق إذا أدرك الركوع لم يكبر فيه وقال أبو حنيفة‏:‏ يكبر فيه لأنه بمنزلة القيام بدليل إدراك الركعة به ولنا‏,‏ أنه ذكر مسنون حال القيام فلم يأت به في الركوع كالاستفتاح‏,‏ وقراءة السورة والقنوت عنده وإنما أدرك الركعة بإدراكه‏,‏ لأنه أدرك معظمها ولم يفته إلا القيام وقد حصل منه ما يجزئ في تكبيرة الإحرام فأما المسبوق إذا أدرك الإمام بعد تكبيره‏,‏ فقال ابن عقيل‏:‏ يكبر لأنه أدرك محله ويحتمل أن لا يكبر لأنه مأمور بالإنصات إلى قراءة الإمام ويحتمل أنه إن كان يسمع قراءة الإمام أنصت وإن كان بعيدا كبر‏.‏

فصل

وإذا شك في عدد التكبيرات بنى على اليقين فإن كبر ثم شك هل نوى الإحرام أو لا‏,‏ ابتدأ الصلاة هو ومن خلفه لأن الأصل عدم النية إلا أن يكون وسواسا فلا يلتفت إليه وسائر المسألة قد سبق شرحها‏.‏

مسألة

قال: [ فإذا سلم خطب بهم خطبتين يجلس بينهما، فإن كان فطرا حضهم على الصدقة، وبين لهم ما يخرجون، وإن كان أضحى يرغبهم في الأضحية، ويبين لهم ما يضحى به ]

وجملته أن خطبتي العيدين بعد الصلاة، لا نعلم فيه خلافا بين المسلمين، إلا عن بني أمية. وروي عن عثمان، وابن الزبير أنهما فعلاه، ولم يصح ذلك عنهما، ولا يعتد بخلاف بني أمية؛ لأنه مسبوق بالإجماع الذي كان قبلهم، ومخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وقد أنكر عليهم فعلهم، وعد بدعة ومخالفا للسنة، فإن ابن عمر قال: (إن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وعثمان، كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة). متفق عليه. وروى ابن عباس مثله. رواه مسلم. ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم جماعة، وروى طارق بن شهاب قال: قدم مروان الخطبة قبل الصلاة فقام رجل، فقال: خالفت السنة، كانت الخطبة بعد الصلاة. فقال: ترك ذاك يا أبا فلان. فقام أبو سعيد، فقال: أما هذا المتكلم فقد قضى ما عليه، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من رأى منكم منكرا فلينكره بيده، فمن لم يستطع فلينكره بلسانه، فمن لم يستطع فلينكره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان). رواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن قيس بن مسلم، عن طارق. ورواه مسلم في صحيحه، ولفظه: " فليغيره ". فعلى هذا من خطب قبل الصلاة فهو كمن لم يخطب؛ لأنه خطب في غير محل الخطبة، أشبه ما لو خطب في الجمعة بعد الصلاة. إذا ثبت هذا فإن صفة الخطبتين كصفة خطبتي الجمعة، إلا أنه يستفتح الأولى بتسع تكبيرات متواليات، والثانية بسبع متواليات. قال القاضي: وإن أدخل بينهما تهليلا أو ذكرا فحسن. وقال سعيد: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: يكبر الإمام على المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع تكبيرات، ثم يخطب، وفي الثانية سبع تكبيرات، ويستحب أن يكثر التكبير في أضعاف خطبته. وروى سعد مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر بين أضعاف الخطبة، يكثر التكبير في خطبتي العيدين. رواه ابن ماجه، فإذا كبر في أثناء الخطبة كبر الناس بتكبيره. وقد روي عن أبي موسى أنه كان يكبر يوم العيد على المنبر اثنتين وأربعين تكبيرة، ويجلس بين الخطبتين؛ لما روى ابن ماجه، بإسناده، عن جابر، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد قعدة، ثم قام) ويجلس عقيب صعوده المنبر. وقيل: لا يجلس عقيب صعوده؛ لأن الجلوس في الجمعة للأذان، ولا أذان هاهنا. فإن كان في الفطر أمرهم بصدقة الفطر، وبين لهم وجوبها، وثوابها، وقدر المخرج، وجنسه، وعلى من تجب، والوقت الذي يخرج فيه. وفي الأضحى يذكر الأضحية، وفضلها، وأنها سنة مؤكدة، وما يجزئ فيها، ووقت ذبحها، والعيوب التي تمنع منها، وكيفية تفرقتها، وما يقوله عند ذبحها؛ لما روي عن أبي سعيد قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى، فأول ما يبدأ به الصلاة، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم، وإن كان يريد أن يقطع بعثا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف). رواه البخاري، وروى مسلم نحوه. وعن جابر، قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة، ثم قام متوكئا على بلال، فأمر بتقوى الله، وحث على طاعته، ووعظ الناس فذكرهم، ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن). متفق عليه. وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل أن يصلي فإنما هو شاة لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء، ومن ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وقد أصاب سنة المسلمين).

فصل

والخطبتان سنة لا يجب حضورها ولا استماعها؛ لما روى عبد الله بن السائب قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العيد، فلما قضى الصلاة، قال: إنا نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب). رواه النسائي، وابن ماجه، ورواه أبو داود، وقال: هو مرسل. وإنما أخرت عن الصلاة - والله أعلم - لأنها لما كانت غير واجبة جعلت في وقت يتمكن من أراد تركها، من تركها، بخلاف خطبة الجمعة. والاستماع لها أفضل. وقد روي عن الحسن، وابن سيرين، أنهما كرها الكلام يوم العيد والإمام يخطب. وقال إبراهيم: يخطب الإمام يوم العيد قدر ما يرجع النساء إلى بيوتهن. وهذا يدل على أنه لا يستحب لهن الجلوس لاستماع الخطبة، لئلا يختلطن بالرجال. وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في موعظته النساء بعد فراغه من خطبته، دليل على أنهن لم ينصرفن قبل فراغه، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق بالاتباع.

فصل

ويستحب أن يخطب قائما؛ لما روى جابر، قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فخطب قائما، ثم قعد ثم قام)، رواه ابن ماجه. ولأنها خطبة عيد، فأشبهت خطبة الجمعة. وإن خطب قاعدا فلا بأس؛ لأنها غير واجبة، فأشبهت صلاة النافلة. وإن خطب على راحلته فحسن. قال سعيد حدثنا هشيم، حدثنا حصين، حدثنا أبو جميلة، قال: رأيت عليا صلى يوم عيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم خطب على دابته، ورأيت عثمان بن عفان يخطب على راحلته، ورأيت المغيرة بن شعبة يخطب على راحلته.

مسألة

قال: [ولا يتنفل قبل صلاة العيد ولا بعدها ]

وجملته أنه يكره التنفل قبل صلاة العيد وبعدها للإمام والمأموم في موضع الصلاة، سواء كان في المصلى أو المسجد. وهو مذهب ابن عباس، وابن عمر، وروي ذلك عن علي، وابن مسعود، وحذيفة، وبريدة، وسلمة بن الأكوع، وجابر، وابن أبي أوفى، وقال به شريح، وعبد الله بن مغفل، والشعبي، ومالك، والضحاك، والقاسم، وسالم، ومعمر، وابن جريج، ومسروق. وقال الزهري: لم أسمع أحدا من علمائنا يذكر أن أحدا من سلف هذه الأمة كان يصلي قبل تلك الصلاة ولا بعدها. يعني صلاة العيد. وقال: ما صلى قبل العيد بدري. ونهى عنه أبو مسعود البدري. وروي أن عليا رضي الله عنه رأى قوما يصلون قبل العيد، فقال: ما كان هذا يفعل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أحمد: أهل المدينة لا يتطوعون قبلها، ولا بعدها، وأهل البصرة يتطوعون قبلها، وبعدها، وأهل الكوفة لا يتطوعون قبلها، ويتطوعون بعدها. وهذا قول علقمة، والأسود، ومجاهد، وابن أبي ليلى، والنخعي، والثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي. وقال مالك: لا يتطوع في المصلى قبلها ولا بعدها، وله في المسجد روايتان: إحداهما، يتطوع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين). وقال الشافعي: يكره التطوع للإمام دون المأموم؛ لأن الإمام لا يستحب له التشاغل عن الصلاة، ولم يكره للمأموم، لأنه وقت لم ينه عن الصلاة فيه، أشبه ما بعد الزوال. ولنا ما روى ابن عباس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلهما ولا بعدهما). متفق عليه. وروى ابن عمر نحوه؛ ولأنه إجماع كما ذكرناه عن الزهري وغيره، ونهى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، ورووا الحديث وعملوا به، ولأنه وقت نهي الإمام عن التنفل فيه، فكره للمأموم، كسائر أوقات النهي، وكما قبل الصلاة عند أبي حنيفة، وكما لو كان في المصلى عند مالك. قال الأثرم: قلت لأحمد: قال سليمان بن حرب: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التطوع لأنه كان إماما. قال أحمد: فالذين رووا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوعوا. ثم قال ابن عمر، وابن عباس، هما راوياه، وأخذا به. يشير والله أعلم إلى أن عمل راوي الحديث به تفسير له، وتفسيره يقدم على تفسير غيره. ولو كانت الكراهة للإمام كي لا يشتغل عن الصلاة، لاختصت بما قبل الصلاة، إذ لم يبق بعدها ما يشتغل به، ولأنه تنفل في المصلى وقت صلاة العيد فكره، كالذي سلموه، وقياسهم منتقض بالإمام، وقد روي عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يكبر في صلاة العيد سبعا وخمسا، ويقول: لا صلاة قبلها ولا بعدها). حكى ابن عقيل أن الإمام ابن بطة رواه بإسناده .

فصل

قيل لأحمد‏:‏ فإن كان رجل يصلي صلاة في ذلك الوقت‏؟‏ قال‏:‏ أخاف أن يقتدى به بعض من يراه يعنى لا يصلي قال ابن عقيل‏:‏ وكره أحمد أن يتعمد لقضاء‏,‏ صلاة وقال‏:‏ أخاف أن يقتدوا به‏.‏

فصل

وإنما يكره التنفل في موضع الصلاة فأما في غيره فلا بأس به‏,‏ وكذلك لو خرج منه ثم عاد إليه بعد الصلاة فلا بأس بالتطوع فيه قال عبد الله بن أحمد‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ روى ابن عباس ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يصل قبلها ولا بعدها‏)‏ ورأيته يصلي بعدها ركعات في البيت‏,‏ وربما صلاها في الطريق يدخل بعض المساجد وروي عن أبي سعيد قال‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لا يصلي قبل العيد شيئا فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين‏)‏ رواه ابن ماجه ولأنه إنما ترك الصلاة في موضع الصلاة اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه‏,‏ ولاشتغاله بالصلاة وانتظارها وهذا معدوم في غير موضع الصلاة‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏وإذا غدا من طريق رجع من غيره‏]

وجملته أن الرجوع في غير الطريق التي غدا منها سنة وبهذا قال مالك والشافعي والأصل فيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان يفعله‏,‏ قال أبو هريرة‏:‏ ‏(‏كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا خرج يوم العيد في طريق رجع في غيره‏)‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن وقال بعض أهل العلم‏:‏ إنما فعل هذا قصدا لسلوك الأبعد في الذهاب ليكثر ثوابه وخطواته إلى الصلاة ويعود في الأقرب لأنه أسهل وهو راجع إلى منزله وقيل‏:‏ كان يحب أن يشهد له الطريقان وقيل‏:‏ كان يحب المساواة بين أهل الطريقين في التبرك بمروره بهم وسرورهم برؤيته وينتفعون بمسألته وقيل‏:‏ لتحصل الصدقة ممن صحبه على أهل الطريقين من الفقراء وقيل‏:‏ لتبرك الطريقين بوطئه عليهما وفي الجملة الاقتداء به سنة لاحتمال بقاء المعنى الذي فعله من أجله‏,‏ ولأنه قد يفعل الشيء لمعنى ويبقى في حق غيره سنة مع زوال المعنى كالرمل والاضطباع في طواف القدوم‏,‏ فعله هو وأصحابه لإظهار الجلد للكفار وبقي سنة بعد زوالهم ولهذا روى عن عمر رضي الله عنه أنه قال‏:‏ فيم الرملان الآن ولمن نبدى مناكبنا وقد نفى الله المشركين‏؟‏ ثم قال مع ذلك‏:‏ لا ندع شيئا فعلناه مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم-‏.

مسألة

قال: [ومن فاتته صلاة العيد صلى أربع ركعات كصلاة التطوع وإن أحب فصل بسلام بين كل ركعتين]

وجملته أن من فاتته صلاة العيد فلا قضاء عليه؛ لأنها فرض كفاية، قام بها من حصلت الكفاية به، فإن أحب قضاءها فهو مخير، إن شاء صلاها أربعا، إما بسلام واحد وإما بسلامين. وروي هذا عن ابن مسعود، وهو قول الثوري؛ وذلك لما روى عبد الله بن مسعود، أنه قال: من فاته العيد فليصل أربعا، ومن فاتته الجمعة فليصل أربعا. وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال: إن أمرت رجلا أن يصلي بضعفة الناس، أمرته أن يصلي أربعا. رواهما سعيد. قال أحمد، رحمه الله: يقوي ذلك حديث علي، أنه أمر رجلا يصلي بضعفة الناس أربعا، ولا يخطب. ولأنه قضاء صلاة عيد، فكان أربعا كصلاة الجمعة، وإن شاء أن يصلي ركعتين كصلاة التطوع. وهذا قول الأوزاعي لأن ذلك تطوع. وإن شاء صلاها على صفة صلاة العيد بتكبير. نقل ذلك عن أحمد إسماعيل بن سعيد، واختاره الجوزجاني. وهذا قول النخعي، ومالك، والشافعي، وأبي ثور وابن المنذر؛ لما روي عن أنس، أنه كان إذا لم يشهد العيد مع الإمام بالبصرة جمع أهله ومواليه، ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلى بهم ركعتين، يكبر فيهما. ولأنه قضاء صلاة، فكان على صفتها، كسائر الصلوات، وهو مخير، إن شاء صلاها وحده، وإن شاء في جماعة. قيل لأبي عبد الله: أين يصلي ؟ قال: إن شاء مضى إلى المصلى، وإن شاء حيث شاء.

فصل

وإن أدرك الإمام في التشهد جلس معه، فإذا سلم الإمام قام فصلى ركعتين، يأتي فيهما بالتكبير؛ لأنه أدرك بعض الصلاة التي ليست مبدلة من أربع، فقضاها على صفتها كسائر الصلوات. وإن أدركه في الخطبة، فإن كان في المسجد صلى تحية المسجد؛ لأنها إذا صليت في خطبة الجمعة التي يجب الإنصات لها، ففي خطبة العيد أولى، ولا يكون حكمه في ترك التحية حكم من أدرك العيد. وقال القاضي: يجلس فيستمع الخطبة، ولا يصلي؛ لئلا يشتغل بالصلاة عن استماع الخطبة. وهذا التعليل يبطل بالداخل في خطبة الجمعة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الداخل بالركوع، مع أن خطبة الجمعة آكد. فأما إن لم يكن في المسجد، فإنه يجلس فيستمع، ثم إن أحب قضى صلاة العيد، على ما ذكرناه .

فصل

إذا لم يعلم بيوم العيد إلا بعد زوال الشمس‏,‏ خرج من الغد فصلى بهم العيد وهذا قول الأوزاعي والثوري‏,‏ وإسحاق وابن المنذر وصوبه الخطابي وحكي عن أبي حنيفة أنها لا تقضى وقال الشافعي‏:‏ إن علم بعد غروب الشمس كقولنا وإن علم بعد الزوال لم يصل‏,‏ لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فلا تقضى بعد فوات وقتها كصلاة الجمعة وإنما يصليها إذا علم بعد غروب الشمس لأن العيد هو الغد لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏فطركم يوم تفطرون‏,‏ وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون‏)‏ ‏.‏

ولنا ما روى أبو عمير بن أنس‏,‏ عن عمومة له من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ‏(‏أن ركبا جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم أن يفطروا فإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم‏)‏ رواه أبو داود قال الخطابي‏:‏ سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أولى وحديث أبي عمير صحيح‏,‏ فالمصير إليه واجب ولأنها صلاة مؤقتة فلا تسقط بفوات الوقت كسائر الفرائض‏,‏ وقياسهم على الجمعة لا يصح لأنها معدول بها عن الظهر بشرائط منها الوقت فإذا فات واحد منها رجع إلى الأصل‏.‏

فصل

فأما الواحد إذا فاتته حتى تزول الشمس وأحب قضاءها‏,‏ قضاها متى أحب وقال ابن عقيل‏:‏ لا يقضيها إلا من الغد قياسا على المسألة التي قبلها وهذا لا يصح لأن ما يفعله تطوع فمتى أحب أتى به‏,‏ وفارق ما إذا لم يعلم الإمام والناس لأن الناس تفرقوا يومئذ على أن العيد في الغد فلا يجتمعون إلا من الغد‏,‏ ولا كذلك ها هنا فإنه لا يحتاج إلى اجتماع الجماعة ولأن صلاة الإمام هي الصلاة الواجبة التي يعتبر لها شروط العيد ومكانه وصفة صلاته‏,‏ فاعتبر لها الوقت وهذا بخلافه‏.‏

فصل

ويشترط الاستيطان لوجوبها لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- لم يصلها في سفره ولا خلفاؤه وكذلك العدد المشترط للجمعة لأنها صلاة عيد فأشبهت الجمعة وفي إذن الإمام روايتان‏:‏ أصحهما‏,‏ ليس بشرط ولا يشترط شيء من ذلك لصحتها لأنها تصح من الواحد في القضاء وقال أبو الخطاب في ذلك كله روايتان وقال القاضي‏:‏ كلام أحمد يقتضي روايتين‏:‏ إحداهما‏,‏ لا يقام العيد إلا حيث تقام الجمعة وهذا مذهب أبي حنيفة إلا أنه لا يرى ذلك إلا في مصر لقوله‏:‏ لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع والثانية يصليها المنفرد والمسافر‏,‏ والعبد والنساء على كل حال وهذا قول الحسن والشافعي لأنه ليس من شرطها الاستيطان فلم يكن من شرطها الجماعة‏,‏ كالنوافل إلا أن الإمام إذا خطب مرة ثم أرادوا أن يصلوا‏,‏ لم يخطبوا وصلوا بغير خطبة كي لا يؤدى إلى تفريق الكلمة والتفصيل الذي ذكرناه أولى ما قيل به‏,‏ -إن شاء الله تعالى-‏.‏

مسألة

قال: [ويبتدئ التكبير يوم عرفة من صلاة الفجر]

لا خلاف بين العلماء رحمهم الله، في أن التكبير مشروع في عيد النحر، واختلفوا في مدته، فذهب إمامنا رضي الله عنه إلى أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق. وهو قول عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم، وإليه ذهب الثوري، وابن عيينة وأبو يوسف، ومحمد، وأبو ثور، والشافعي في بعض أقواله. وعن ابن مسعود أنه كان يكبر من غداة عرفة إلى العصر من يوم النحر. وإليه ذهب علقمة، والنخعي، وأبو حنيفة؛ لقوله: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات} وهي العشر، وأجمعنا على أنه لا يكبر قبل يوم عرفة، فينبغي أن يكبر يوم عرفة ويوم النحر. وعن ابن عمر، وعمر بن عبد العزيز، أن التكبير من صلاة الظهر يوم النحر إلى الصبح من آخر أيام التشريق. وبه قال مالك، والشافعي في المشهور عنه؛ لأن الناس تبع للحاج، والحجاج يقطعون التلبية مع أول حصاة، ويكبرون مع الرمي، وإنما يرمون يوم النحر، فأول صلاة بعد ذلك الظهر، وآخر صلاة يصلون بمنى الفجر من اليوم الثالث من أيام التشريق. ولنا ما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الصبح يوم عرفة، وأقبل علينا فقال: الله أكبر الله أكبر. ومد التكبير إلى العصر من آخر أيام التشريق. أخرجه الدارقطني من طرق، وفي بعضها: " الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر ولله الحمد ". ولأنه إجماع الصحابة رضي الله عنهم، روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عباس وابن مسعود رواه سعيد عن عمر، وعلي، وابن عباس، وروى بإسناده عن عمير بن سعيد، أن عبد الله كان يكبر من صلاة الغداة يوم عرفة إلى العصر من يوم النحر، فأتانا علي بعده فكبر من غداة عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد. قيل لأحمد، رحمه الله: بأي حديث تذهب، إلى أن التكبير من صلاة الفجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق ؟ قال: بالإجماع عمر، وعلي، وابن عباس، وابن مسعود رضي الله عنهم. ولأن الله تعالى قال: { واذكروا الله في أيام معدودات}. وهي أيام التشريق، فتعين الذكر في جميعها. ولأنها أيام يرمى فيها، فكان التكبير فيها كيوم النحر. وقوله تعالى: { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات }. فالمراد به ذكر الله تعالى على الهدايا والأضاحي. ويستحب التكبير عند رؤية الأنعام في جميع العشر، وهذا أولى من قولهم وتفسيرهم؛ لأنهم لم يعملوا به في كل العشر ولا في أكثره، وإن صح قولهم فقد أمر الله تعالى بالذكر في أيام معدودات، وهي أيام التشريق، فيعمل به أيضا. وأما المحرمون فإنهم يكبرون من صلاة الظهر يوم النحر؛ لما ذكروه، لأنهم كانوا مشغولين قبل ذلك بالتلبية، وغيرهم يبتدئ من يوم عرفة؛ لعدم المانع في حقهم مع وجود المقتضي. وقولهم: إن الناس تبع لهم في هذا. دعوى مجردة، لا دليل عليها، فلا تسمع.

فصل

وصفة التكبير‏:‏ الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد وهذا قول عمر‏,‏ وعلى وابن مسعود وبه قال الثوري وأبو حنيفة‏,‏ وإسحاق وابن المبارك إلا أنه زاد‏:‏ على ما هدانا لقوله‏:‏ ‏{‏لتكبروا الله على ما هداكم‏}‏ وقال مالك‏,‏ والشافعي يقول‏:‏ الله أكبر الله أكبر ثلاثا لأن جابرا صلى في أيام التشريق فلما فرغ من صلاته‏,‏ قال‏:‏ الله أكبر الله أكبر الله أكبر وهذا لا يقوله إلا توقيفا‏,‏ ولأن التكبير شعار العيد فكان وترا كتكبير الصلاة والخطبة ولنا‏,‏ خبر جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو نص في كيفية التكبير وأنه قول الخليفتين الراشدين‏,‏ وقول ابن مسعود وقول جابر لا يسمع مع قول النبي - صلى الله عليه وسلم- ولا يقدم على قول أحد ممن ذكرنا فكيف قدموه على قول جميعهم‏؟‏ ولأنه تكبير خارج الصلاة‏,‏ فكان شفعا كتكبير الأذان وقولهم‏:‏ إن جابرا لا يفعله إلا توقيفا فاسد لوجوه‏:‏ أحدها أنه قد روى خلاف قوله‏,‏ فكيف يترك ما صرح به لاحتمال وجود ضده‏؟‏ الثاني أنه إن كان قوله توقيفا كان قول من خالفه توقيفا‏,‏ فكيف قدموا الضعيف على ما هو أقوى منه مع إمامة من خالفه وفضلهم في العلم عليه وكثرتهم‏؟‏ الثالث‏,‏ أن هذا ليس بمذهب لهم فإن قول الصحابى لا يحمل على التوقيف عندهم الرابع أنه إنما يحمل على التوقيف ما خالف الأصول‏,‏ وذكر الله تعالى لا يخالف الأصل ولا سيما إذا كان وترا‏.‏

مسألة

قال‏:‏ ‏[‏ثم لا يزال يكبر دبر كل صلاة مكتوبة صلاها في جماعة وعن أبي عبد الله‏,‏ -رحمه الله- أنه يكبر لصلاة الفرض وإن كان وحده‏,‏ حتى يكبر لصلاة العصر من آخر أيام التشريق ثم يقطع‏]‏

المشروع عند إمامنا -رحمه الله- ‏,‏ التكبير عقيب الفرائض في الجماعات في المشهور عنه قال الأثرم‏:‏ قلت لأبي عبد الله‏:‏ أذهب إلى فعل ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده‏؟‏ قال أحمد‏:‏ نعم وقال ابن مسعود‏:‏ إنما التكبير على من صلى في جماعة وهذا مذهب الثوري‏,‏ وأبي حنيفة وقال مالك‏:‏ لا يكبر عقيب النوافل ويكبر عقيب الفرائض كلها وقال الشافعي‏:‏ يكبر عقيب كل صلاة فريضة كانت‏,‏ أو نافلة منفردا صلاها أو في جماعة لأنها صلاة مفعولة‏,‏ فيكبر عقيبها كالفرض في جماعة ولنا قول ابن مسعود‏,‏ وفعل ابن عمر ولم يعرف لهما مخالف في الصحابة رضي الله عنهم فكان إجماعا ولأنه ذكر مختص بوقت العيد فاختص بالجماعة‏,‏ ولا يلزم من مشروعيته للفرائض مشروعيته للنوافل كالأذان والإقامة وعن أحمد -رحمه الله- ‏,‏ رواية أخرى أنه يكبر للفرض وإن كان منفردا وهو مذهب مالك لأنه ذكر مستحب للمسبوق‏,‏ فاستحب للمنفرد كالسلام‏.‏

فصل

والمسافرون كالمقيمين فيما ذكرنا‏,‏ وكذلك النساء يكبرن في الجماعة وفي تكبيرهن في الانفراد روايتان كالرجال قال ابن منصور‏:‏ قلت لأحمد قال سفيان‏:‏ لا يكبر النساء أيام التشريق إلا في جماعة قال‏:‏ أحسن وقال البخاري‏:‏ كان النساء يكبرن خلف أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز ليالى التشريق مع الرجال في المسجد وينبغى لهن أن يخفضن أصواتهن‏,‏ حتى لا يسمعهن الرجال وعن أحمد رواية أخرى أنهن لا يكبرن لأن التكبير ذكر يشرع فيه رفع الصوت فلم يشرع في حقهن‏,‏ كالأذان‏.‏

فصل

والمسبوق ببعض الصلاة يكبر إذا فرغ من قضاء ما فاته نص عليه أحمد وهذا قول أكثر أهل العلم وقال الحسن‏:‏ يكبر ثم يقضى لأنه ذكر مشروع في آخر الصلاة‏,‏ فيأتى به المسبوق قبل القضاء كالتشهد وعن مجاهد ومكحول‏:‏ يكبر‏,‏ ثم يقضى ثم يكبر لذلك ولنا أنه ذكر شرع بعد السلام‏,‏ فلم يأت به في أثناء الصلاة كالتسليمة الثانية والدعاء بعدها وإن كان على المصلى سجود سهو بعد السلام سجده‏,‏ ثم يكبر وبهذا قال الثوري والشافعي وإسحاق‏,‏ وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا وذلك لأنه سجود مشروع للصلاة فكان التكبير بعده‏,‏ وبعد تشهده كسجود صلب الصلاة وآخر مدة التكبير العصر من آخر أيام التشريق لما ذكرناه في المسألة التي قبلها‏.‏

فصل

وإذا فاتته صلاة من أيام التشريق فقضاها فيها فحكمها حكم المؤداة في التكبير لأنها صلاة في أيام التشريق وكذلك إن فاتته من غير أيام التشريق فقضاها فيها كذلك وإن فاتته من أيام التشريق‏,‏ فقضاها في غيرها لم يكبر لأن التكبير مقيد بالوقت فلم يفعل في غيره‏,‏ كالتلبية‏.‏

فصل

ويكبر مستقبل القبلة حكاه أحمد عن إبراهيم قال أبو بكر‏:‏ وعليه العمل وذلك لأنه ذكر مختص بالصلاة أشبه الأذان والإقامة ويحتمل أن يكبر كيفما شاء لما روى جابر ‏(‏أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أقبل عليهم فقال‏:‏ الله أكبر الله أكبر‏)‏ وإن نسي التكبير حتى خرج من المسجد لم يكبر وهذا قول أصحاب الرأي لأنه مختص بالصلاة من بعدها‏,‏ فأشبه سجود السهو ويحتمل أن يكبر لأنه ذكر فاستحب وإن خرج وبعد كالدعاء والذكر المشروع بعدها وإن ذكره في المسجد عاد إلى مكانه‏,‏ فجلس واستقبل القبلة فكبر وقال الشافعي‏:‏ يكبر ماشيا وهذا أقيس لأن التكبير ذكر مشروع بعد الصلاة‏,‏ فأشبه سائر الذكر قال أصحابنا‏:‏ وإذا أحدث قبل التكبير لم يكبر عامدا كان أو ساهيا لأن الحدث يقطع الصلاة عمده وسهوه وبالغ ابن عقيل‏,‏ فقال‏:‏ إن تركه حتى تكلم لم يكبر والأولى إن شاء الله أنه يكبر لأن ذلك ذكر منفرد بعد سلام الإمام فلا تشترط له الطهارة‏,‏ كسائر الذكر ولأن اشتراط الطهارة إما بنص أو معناه ولم يوجد ذلك وإذا نسي الإمام التكبير كبر المأموم وهذا قول الثوري لأنه ذكر يتبع الصلاة‏,‏ أشبه سائر الذكر‏.‏

فصل

قال القاضي‏:‏ ظاهر كلام أحمد أنه يكبر عقيب صلاة العيد وهو قول أبي بكر لأنها صلاة مفروضة في جماعة فأشبهت الفجر وقال أبو الخطاب‏:‏ لا يسن لأنها ليست من الصلوات الخمس‏,‏ أشبهت النوافل والأول أولى لأن هذه الصلاة أخص بالعيد فكانت أحق بتكبيره‏.‏

فصل

ويشرع التكبير في غير أدبار الصلوات وكان ابن عمر يكبر بمنى في تلك الأيام خلف الصلوات‏,‏ وعلى فراشه وفي فسطاطه ومجلسه‏,‏ وممشاه تلك الأيام جميعا وكان يكبر في قبته بما يسمعه أهل المسجد‏,‏ فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيرا وكذلك يستحب التكبير في أيام العشر كلها لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويذكروا اسم الله في أيام معلومات‏}‏ كما قال‏:‏ ‏{‏واذكروا الله في أيام معدودات‏}‏ والأيام المعلومات أيام العشر‏,‏ والمعدودات أيام التشريق قال البخاري‏:‏ وكان ابن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر‏,‏ يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ويستحب الاجتهاد في عمل الخير في أيام العشر من الذكر‏,‏ والصلاة والصيام والصدقة‏,‏ وسائر أعمال البر لما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏ما العمل في أيام أفضل منها في هذه الأيام قالوا‏:‏ ولا الجهاد في سبيل الله‏؟‏ قال‏:‏ ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء‏)‏ أخرجه البخاري‏.‏

فصل

قال أحمد‏,‏ -رحمه الله-‏:‏ ولا بأس أن يقول الرجل للرجل يوم العيد‏:‏ تقبل الله منا ومنك وقال حرب‏:‏ سئل أحمد عن قول الناس في العيدين تقبل الله ومنكم قال‏:‏ لا بأس به يرويه أهل الشام عن أبي أمامة قيل‏:‏ وواثلة بن الأسقع‏؟‏ قال‏:‏ نعم قيل‏:‏ فلا تكره أن يقال هذا يوم العيد قال‏:‏ لا وذكر ابن عقيل في تهنئة العيد أحاديث منها‏,‏ أن محمد بن زياد قال‏:‏ كنت مع أبي أمامة الباهلى وغيره من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم- فكانوا إذا رجعوا من العيد يقول بعضهم لبعض‏:‏ تقبل الله منا ومنك وقال أحمد‏:‏ إسناد حديث أبي أمامة إسناد جيد وقال على بن ثابت‏:‏ سألت مالك بن أنس منذ خمس وثلاثين سنة وقال‏:‏ لم يزل يعرف هذا بالمدينة وروي عن أحمد أنه قال‏:‏ لا أبتدى به أحدا‏,‏ وإن قاله أحد رددته عليه‏.‏

فصل

قال القاضي‏:‏ ولا بأس بالتعريف عشية عرفة بالأمصار وقال الأثرم‏:‏ سألت أبا عبد الله عن التعريف في الأمصار يجتمعون في المساجد يوم عرفة قال‏:‏ أرجو أن لا يكون به بأس‏,‏ قد فعله غير واحد وروى الأثرم عن الحسن قال‏:‏ أول من عرف بالبصرة ابن عباس‏,‏ -رحمه الله- وقال أحمد‏:‏ أول من فعله ابن عباس وعمرو بن حريث وقال الحسن وبكر وثابت ومحمد بن واسع‏:‏ كانوا يشهدون المسجد يوم عرفة قال أحمد‏:‏ لا بأس به‏,‏ إنما هو دعاء وذكر لله فقيل له‏:‏ تفعله أنت‏؟‏ قال‏:‏ أما أنا فلا وروي عن يحيى بن معين أنه حضر مع الناس عشية عرفة‏.‏